الاثنين، 11 يناير 2021

ترجمة الحجاج بن يوسف الثقفي وذكر وفاته من كتاب البداية والنهاية لابن كثير

ترجمة الحجاج بن يوسف الثقفي وذكر وفاته

من كتاب البداية والنهاية لابن كثير

هو الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف - وهو قسي بن منبه بن بكر بن هوزان - أبو محمد الثقفي، سمع ابن عباس وروى عن أنس، وسمرة بن جندب، وعبد الملك بن مروان، وأبي بردة بن أبي موسى. وروى عنه أنس بن مالك، وثابت البناني، وحميد الطويل، ومالك بن دينار، وجراد بن مجالد، وقتيبة بن مسلم، وسعيد بن أبي عروبة، قاله ابن عساكر. قال: وكانت له بدمشق آدر منها دار الزاية بقرب قصر ابن أبي الحديد، وولاه عبد الملك الحجاز فقتل ابن الزبير، ثم عزله عنها وولاه العراق، وقدم دمشق وافدا على عبد الملك. ثم روى من طريق المغيرة بن مسلم، حدثنا سالم بن قتيبة بن مسلم، سمعت أبي يقول: خطبنا الحجاج بن يوسف، فذكر القبر، فما زال يقول: إنه بيت الوحدة، وبيت الغربة. حتى بكى وبكى من حوله، ثم قال: سمعت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان يقول: سمعت مروان يقول في خطبته: خطبنا عثمان بن عفان، فقال في خطبته: ما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر أو ذكره إلا بكى. وهذا الحديث له شاهد في "سنن أبي داود" وغيره، وساق من طريق أحمد بن عبد الجبار: ثنا سيار، عن جعفر، عن مالك بن دينار قال: دخلت يوما على الحجاج، فقال لي: يا أبا يحيى، ألا أحدثك بحديث حسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: بلى. فقال: حدثني أبو بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له إلى الله حاجة فليدع بها في دبر صلاة مفروضة وهذا الحديث له شاهد عن فضالة بن عبيد وغيره في السنن والمسانيد والله أعلم.

قال الشافعي: سمعت من يذكر أن المغيرة بن شعبة دخل على امرأته وهي تتخلل - أي تخلل أسنانها ليخرج ما بينها من أذى - وكان ذلك في أول النهار، فقال: والله لئن كنت باكرت الغذاء إنك لرغيبة دنية، وإن كان الذي تخللين منه شيء بقي في فيك من البارحة إنك لقذرة. فطلقها، فقالت: والله ما كان شيء مما ذكرت، ولكنني باكرت ما تباكره الحرة من السواك، فبقيت شظية في فمي منه فحاولتها لأخرجها. فقال المغيرة ليوسف أبي الحجاج: تزوجها فإنها لخليقة أن تأتي برجل يسود، فتزوجها يوسف أبو الحجاج. قال الشافعي: فأخبرت أن أبا الحجاج لما بنى بها واقعها فنام، فقيل له في النوم: ما أسرع ما ألقحت بالمبير.

قال ابن خلكان واسم أمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي، وكان زوجها الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب. وذكر عنه هذه الحكاية في السواك. وذكر صاحب "العقد" أن الحجاج كان هو وأبوه يعلمان الغلمان بالطائف، ثم قدم دمشق فكان عند روح بن زنباع وزير عبد الملك، فشكا عبد الملك إلى روح أن الجيش لا ينزلون لنزوله ولا يرحلون لرحيله، فقال روح: عندي رجل توليه ذلك. فولى عبد الملك الحجاج أمر الجيش، فكان لا يتأخر أحد في النزول والرحيل، حتى اجتاز إلى فسطاط روح بن زنباع وهم يأكلون، فضربهم وطوف بهم، وأحرق الفسطاط فشكا روح ذلك إلى عبد الملك فقال للحجاج: لم صنعت هذا؟ فقال: لم أفعله، إنما فعله أنت؛ فإن يدي يدك وسوطي سوطك، وما ضرك إذا أعطيت روحا فسطاطين بدل فسطاطه، وبدل الغلام غلامين، ولا تكسرني في الذي وليتني؟ ففعل ذلك وتقدم الحجاج عنده.

قال: وبنى واسط في سنة أربع وثمانين، وفرغ منها في سنة ست وثمانين. وقيل قبل ذلك. قال: وفي أيامه نقطت المصاحف. وذكر في حكايته ما يدل على أنه كان أولا يسمى كليبا، ثم سمي الحجاج. وذكر أنه ولد ولا مخرج له حتى فتق له مخرج، وأنه لم يرتضع أياما حتى سقوه دم جدي أياما ثم دم سالخ ولطخ وجهه بدمه فارتضع، وكانت فيه شهامة وحب لسفك الدماء؛ لأنه أول ما ارتضع ذلك الدم الذي لطخ به وجهه.

ويقال: إن أمه هي المتمنية لنصر بن حجاج بن علاط. وقيل: إنها أم أبيه. والله أعلم.

وكانت فيه شهامة عظيمة، وفي سيفه رهق، وكان كثير قتل النفوس التي حرمها الله بأدني شبهة، وكان يغضب غضب الملوك، وكان - فيما يزعم - يتشبه بزياد بن أبيه، وكان زياد يتشبه بعمر بن الخطاب، فيما يزعم أيضا. ولا سواء ولا قريب. وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة سليم بن عتر التجيبي قاضي مصر، وكان من كبار التابعين، وكان ممن شهد خطبة عمر بن الخطاب بالجابية، وكان من الزهادة والعبادة على جانب عظيم، وكان يختم القرآن في كل ليلة ثلاث ختمات في الصلاة وغيرها. والمقصود أن الحجاج كان مع أبيه بمصر في جامعها، فاجتاز بهما سليم بن عتر هذا، فنهض إليه أبو الحجاج فسلم عليه، وقال له: إني ذاهب إلى أمير المؤمنين، فهل من حاجة لك عنده؟ قال: نعم، تسأله أن يعزلني عن القضاء. فقال: سبحان الله! والله لا أعلم قاضيا اليوم خيرا منك. ثم رجع إلى ابنه الحجاج، فقال له ابنه: يا أبه، أتقوم إلى رجل من تجيب وأنت ثقفي؟ فقال له: يا بني والله إني لأحسب أن الناس إنما يرحمون بهذا وأمثاله. فقال الحجاج: والله ما على أمير المؤمنين أضر من هذا وأمثاله. فقال: ولم يا بني؟ قال: لأن هذا وأمثاله يجتمع الناس إليهم فيحدثونهم عن سيرة أبي بكر وعمر، فيحقر الناس سيرة أمير المؤمنين ولا يرونها شيئا عند سيرتهما، فيخلعونه ويخرجون عليه ويبغضونه ولا يرون طاعته، والله لو خلص إلي من الأمر شيء لأضربن عنق هذا وأمثاله، فقال له أبوه: يا بني، والله إني لأظن أن الله عز وجل خلقك شقيا. وهذا يدل على أن أباه كان ذا وجاهة عند الخليفة، وأنه كان ذا فراسة صحيحة؛ فإنه تفرس في ابنه ما آل إليه أمره بعد ذلك.

قالوا: وكان مولد الحجاج في سنة تسع وثلاثين. وقيل: في سنة أربعين وقيل: في سنة إحدى وأربعين. ثم نشأ شابا لبيبا فصيحا بليغا حافظا للقرآن، قال بعض السلف: كان الحجاج يقرأ القرآن في كل ليلة، وقال أبو العلاء: ما رأيت أفصح منه ومن الحسن البصري، وكان الحسن أفصح منه. وقال الدارقطني: ذكر سليمان بن أبي شيخ، عن صالح بن سليمان قال: قال عتبة بن عمرو: ما رأيت عقول الناس إلا قريبا بعضها من بعض، إلا الحجاج وإياس بن معاوية، فإن عقولهما كانت ترجح على عقول الناس. وتقدم أن عبد الملك لما قتل مصعب بن الزبير سنة ثلاث وسبعين بعث الحجاج إلى أخيه عبد الله بمكة فحاصره بها، وأقام للناس الحج عامئذ، ولم يتمكن الحجاج ومن معه من الطواف بالبيت، ولا تمكن ابن الزبير ومن عنده من الوقوف بعرفة، ولم يزل محاصره حتى ظفر به في جمادى سنة ثلاث وسبعين ثم استنابه عبد الملك على مكة والمدينة والطائف واليمن، ثم ولاه عبد الملك العراق بعد موت أخيه بشر، فدخل الكوفة كما ذكرنا، وقال لهم وفعل بهم ما تقدم إيراده مفصلا، فأقام بين ظهرانيهم عشرين سنة كاملة. وفتح فيها فتوحات كثيرة هائلة منتشرة، حتى وصلت خيوله إلى بلاد الهند والسند، ففتح فيها جملة مدن وأقاليم، ووصلت خيوله أيضا إلى قريب من بلاد الصين، وجرت له فصول قد ذكرناها. ونحن نورد هنا أشياء أخر مما وقع له من الأمور والجراءة والإقدام، والتهور في الأمور العظام، مما يمدح على مثله، ومما يذم بقوله وفعله، مما ساقه الحافظ ابن عساكر وغيره:

فروى أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن كثير - ابن أخي إسماعيل بن جعفر المديني - ما معناه أن الحجاج بن يوسف صلى مرة بجنب سعيد بن المسيب - وذلك قبل أن يلي شيئا - فجعل يرفع قبل الإمام ويقع قبله في السجود، فلما سلم أخذ سعيد بطرف ردائه - وكان له ذكر يقوله بعد الصلاة - فما زال الحجاج ينازعه رداءه حتى قضى سعيد ذكره، ثم أقبل عليه سعيد فقال له: يا سارق يا خائن، تصلي هذه الصلاة! لقد هممت أن أضرب بهذا النعل وجهك. فلم يرد عليه، ثم مضى الحجاج إلى الحج، ثم رجع فعاد إلى الشام ثم جاء نائبا على الحجاز، فلما قتل ابن الزبير كر راجعا إلى المدينة نائبا عليها، فلما دخل المسجد إذا مجلس سعيد بن المسيب فقصده الحجاج فخشي الناس على سعيد منه، فجاء حتى جلس بين يديه، فقال له: أنت صاحب الكلمات؟ فضرب سعيد صدره بيده وقال: نعم. قال: فجزاك الله من معلم ومؤدب خيرا، ما صليت بعدك صلاة إلا وأنا أذكر قولك. ثم قام ومضى.

وروى الرياشي، عن الأصمعي وأبي زيد، عن معاذ بن العلاء - أخي أبي عمرو بن العلاء - قال: لما قتل الحجاج ابن الزبير ارتجت مكة بالبكاء، فأمر الناس فجمعوا في المسجد، ثم صعد المنبر، فقال بعد حمد الله والثناء عليه: يا أهل مكة بلغني إكباركم قتل ابن الزبير، ألا وإن ابن الزبير كان من خيار هذه الأمة، حتى رغب في الخلافة ونازع فيها أهلها، فنزع طاعة الله واستكن بحرم الله ولو كان شيء مانع العصاة لمنعت آدم حرمة الله، إن الله خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته وأباح له كرامته، وأسكنه جنته، فلما أخطأ أخرجه من الجنة بخطيئته، وآدم أكرم على الله من ابن الزبير والجنة أعظم حرمة من الكعبة، اذكروا الله يذكركم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف ثنا عوف، عن أبي الصديق الناجي أن الحجاج دخل على أسماء بنت أبي بكر بعدما قتل ابنها عبد الله فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم، وفعل به وفعل. فقالت: كذبت، كان برا بوالديه، صواما قواما، والله لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من ثقيف كذابان؛ الآخر منهما شر من الأول، وهو مبير. ورواه أبو يعلى، عن وهب بن بقية، عن خالد، عن عوف، عن أبي الصديق. قال: بلغني أن الحجاج دخل على أسماء... فذكر مثله. وقال أبو يعلى: ثنا زهير، ثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد، عن قيس بن الأحنف، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة وسمعته يقول: يخرج من ثقيف رجلان كذاب ومبير قالت: فقلت للحجاج: أما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت هو يا حجاج.

وقال عبد بن حميد: أنبأ يزيد بن هارون، أنبأ العوام بن حوشب، حدثني من سمع أسماء بنت أبي بكر الصديق تقول للحجاج حين دخل عليها يعزيها في ابنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج من ثقيف رجلان مبير وكذاب فأما الكذاب فابن أبي عبيد - تعني المختار - وأما المبير فأنت. وتقدم في "صحيح مسلم" من وجه آخر أوردناه عند مقتل ابنها عبد الله، وقد رواه غير أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقال أبو يعلى: ثنا أحمد بن عمر الوكيعي. ثنا وكيع، حدثتنا أم غراب، عن امرأة يقال لها: عقيلة. عن سلامة بنت الحر قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في ثقيف كذاب ومبير تفرد به أبو يعلى.

وقد روى الإمام أحمد، عن وكيع، عن أم غراب - واسمها طلحة - عن عقيلة، عن سلامة حديثا آخر في الصلاة. وأخرجه أبو داود وابن ماجه. وروى من حديث ابن عمر، فقال أبو يعلى: ثنا أميه بن بسطام ثنا يزيد بن زريع، ثنا إسرائيل، ثنا عبد الله بن عصمة، قال: سمعت ابن عمر أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في ثقيف مبيرا وكذابا. وأخرجه الترمذي من حديث شريك، عن عبد الله بن عصم - ويقال: عصمة - وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك.

وقال الشافعي: أنبأ مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن نافع أن ابن عمر اعتزل ليالي قتال ابن الزبير والحجاج بمنى، فكان يصلي مع الحجاج. وقال الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر أنه دخل على الحجاج فلم يسلم عليه ولم يكن يصلي وراءه. وقال إسحاق بن راهويه أنبأ جرير عن القعقاع بن الصلت قال: خطب الحجاج، فقال: إن ابن الزبير غيّر كتاب الله. فقال ابن عمر: ما سلطه الله على ذلك، ولا أنت معه ولو شئت أن أقول: كذبت، لفعلت. وروى عن شهر بن حوشب وغيره أن الحجاج أطال الخطبة فجعل ابن عمر يقول: الصلاة الصلاة، مرارا ثم قام فأقام الصلاة فقام الناس، فصلى الحجاج بالناس، فلما انصرف قال لابن عمر: ما حملك على ذلك؟ فقال: إنما نجيء للصلاة فصل الصلاة لوقتها، ثم بقبق ما شئت بعد من بقبقة.

وقال الأصمعي: سمعت عمي يقول: بلغني أن الحجاج لما فرغ من ابن الزبير وقدم إلى المدينة لقي شيخا خارجا من المدينة فسأله عن حال أهل المدينة فقال: بشر حال؛ قتل ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحجاج: ومن قتله؟ قال: الفاجر اللعين الحجاج عليه لعائن الله وتهلكته؛ من قليل المراقبة لله، فغضب الحجاج غضبا شديدا ثم قال: أيها الشيخ أتعرف الحجاج إذا رأيته؟ قال: نعم. فلا عرفه الله خيرا، ولا وقاه ضرا. فكشف الحجاج عن لثامه وقال: ستعلم أيها الشيخ الآن إذا سال دمك الساعة. فلما تحقق الشيخ الجد، قال: والله إن هذا لهو العجب يا حجاج، لو كنت تعرفني ما قلت هذه المقالة، أنا العباس بن أبي داود أصرع كل يوم خمس مرات فقال الحجاج: انطلق فلا شفى الله الأبعد من جنونه ولا عافاه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا حماد بن سلمة، عن ابن أبي رافع، عن عبد الله بن جعفر أنه زوج ابنته من الحجاج بن يوسف، فقال لها: إذا دخل بك فقولي: لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال هذا. قال حماد: فظننت أنه قال: فلم يصل إليها. قال الشافعي: لما تزوج الحجاج بنت عبد الله بن جعفر، قال خالد بن يزيد بن معاوية لعبد الملك بن مروان: أتمكنه من ذلك؟ فقال: وما بأس بذلك؟ قال: أشد البأس والله. قال: كيف؟ قال: والله يا أمير المؤمنين لقد ذهب ما في صدري على آل الزبير منذ تزوجت رملة بنت الزبير. قال: فكأنه كان نائما فأيقظه، فكتب إلى الحجاج يعزم عليه في طلاقها فطلقها.

وقال سعيد بن أبي عروبة: حج الحجاج مرة فمر بين مكة والمدينة فأتي بغدائه فقال لحاجبه: انظر من يأكل معي. فذهب فإذا أعرابي نائم فضربه برجله وقال: أجب الأمير. فقام، فلما دخل على الحجاج قال له: اغسل يديك ثم تغد معي. فقال: إنه دعاني من هو خير منك. فأجبته. قال: ومن هو؟ قال: الله دعاني إلى الصوم فأجبته. قال: في هذا الحر الشديد؟ قال: نعم صمت ليوم هو أشد حرا منه. قال: فأفطر وصم غدا. قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد قال: ليس ذلك إليّ. قال: فكيف تسألني عاجلا بآجل لا تقدر عليه؟ قال: إن طعامنا طعام طيب. قال: لم تطيبه أنت ولا الطباخ، إنما طيبته العافية

فصل

قد ذكرنا كيفية دخول الحجاج الكوفة في سنة خمس وسبعين وخطبته إياهم بغتة، وتهديده ووعيده إياهم وأنهم خافوه مخافة شديدة، وأنه قتل عمير بن ضابئ، وكذلك قتل كميل بن زياد صبرا أيضا، ثم كان من أمره في قتال ابن الأشعث ما قدمنا ذكره؛ من ظفره به بعد المطاولة والمقاتلة وتسلطه على من كان معه من الرؤساء والأمراء والعباد والقراء، حتى كان آخر من قتل منهم سعيد بن جبير قال القاضي المعافى بن زكريا: ثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكلبي، ثنا محمد بن زكريا الغلابي، ثنا محمد - يعني ابن عبيد الله بن عباس - عن عطاء - يعني ابن مصعب - عن عاصم قال: خطب الحجاج أهل العراق بعد دير الجماجم فقال: يا أهل العراق، إن الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم والدم والعصب والمسامع والأطراف ثم أفضى إلى الأسماخ والأمخاخ والأشباح والأرواح ثم ارتفع فعشش ثم باض وفرخ ثم دب ودرج فحشاكم نفاقا وشقاقا وأشعركم خلافا، اتخذتموه دليلا تتبعونه، وقائدا تطيعونه، ومؤامرا تشاورونه وتستأمرونه، فكيف تنفعكم تجربة أو ينفعكم بيان؟ ألستم أصحابي بالأهواز حيث رمتم المكر وأجمعتم على الكفر، وظننتم أن الله يخذل دينه وخلافته؟ وأنا أرميكم بطرفي وأنتم تتسللون لواذا، وتنهزمون سراعا، يوم الزاوية وما يوم الزاوية؟ مما كان من فشلكم وتنازعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم ونكوس قلوبكم؛ إذ وليتم كالإبل الشاردة عن أوطانها النوازع، لا يسأل المرء عن أخيه ولا يلوي الشيخ على بنيه حين عضكم السلاح وتخستكم الرماح. يوم دير الجماجم وما يوم دير الجماجم! بها كانت المعارك والملاحم، بضرب يزيل الهام عن مقيله، ويذهل الخليل عن خليله، يا أهل العراق، يا أهل الكفرات بعد الفجرات، والغدرات بعد الخترات، والنزوة بعد النزوات، إن بعثناكم إلى ثغوركم غللتم وخنتم وإن أمنتم أرجفتم، وإن خفتم نافقتم، لا تذكرون نعمة ولا تشكرون معروفا، ما استخفكم ناكث أو استغواكم غاو، أو استنقذكم عاص، أو استنصركم ظالم، أو استعضدكم خالع - إلا لبيتم دعوته وأجبتم صيحته، ونفرتم إليه خفافا وثقالا وفرسانا ورجالا؟ يا أهل العراق، هل شغب شاغب أو نعب ناعب أو زفر زافر إلا كنتم أتباعه وأنصاره؟ يا أهل العراق ألم تنفعكم المواعظ؟ ألم تزجركم الوقائع؟ ألم يشدد الله عليكم وطأته ويذقكم حر سيفه وأليم بأسه ومثلاته؟

ثم التفت إلى أهل الشام فقال: يا أهل الشام إنما أنا لكم كالظليم الرامح عن فراخه ينفي عنه القذر ويباعد عنها الحجر ويكنها من المطر ويحميها من الضباب ويحرسها من الذباب، يا أهل الشام أنتم الجنة والرداء وأنتم الملاءة والحذاء، أنتم الأولياء والأنصار والشعار والدثار بكم يذب عن البيعة والحوزة وبكم ترمى كتائب الأعداء ويهزم من عاند وتولى.

قال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن أبي الحسين، حدثنا عبيد الله بن محمد التميمي سمعت شيخا من قريش يكنى أبا بكر التيمي، قال: كان الحجاج يقول في خطبته - وكان لسنا -: إن الله خلق آدم وذريته من الأرض فأمشاهم على ظهرها فأكلوا ثمارها وشربوا أنهارها وهتكوها بالمساحي والمرور، ثم أدال الله الأرض منهم فردهم إليها، فأكلت لحومهم كما أكلوا ثمارها، وشربت دماءهم كما شربوا أنهارها، وقطعتهم في جوفها، وفرقت أوصالهم كما هتكوها بالمساحي والمرور.

ومما رواه غير واحد عن الحجاج أنه قال في خطبته في المواعظ: أيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، رجل خطم نفسه وزمها فقادها بخطامها إلى طاعة الله وكفها بزمامها عن معاصي الله، رحم الله امرأ رد نفسه، امرأ اتهم نفسه، امرأ اتخذ نفسه عدوه، امرأ حاسب نفسه قبل أن يكون الحساب إلى غيره، امرأ نظر إلى ميزانه، امرأ نظر إلى حسابه، امرأ وزن عمله، امرأ فكر فيما يقرأ غدا في صحيفته ويراه في ميزانه، وكان عند قلبه زاجرا وعند همه آمرا، امرأ أخذ بعنان عمله كما يأخذ بعنان جمله، فإن قاده إلى طاعة الله تبعه وإن قاده إلى معصية الله كف، امرأ عقل عن الله أمره، امرأ فاق واستفاق وأبغض المعاصي والنفاق، وكان إلى ما عند الله بالأشواق، فما زال يقول امرأ امرأ حتى بكى مالك بن دينار

وقال المدائني، عن عوانة بن الحكم قال: قال الشعبي: سمعت الحجاج تكلم بكلام ما سبقه إليه أحد؛ يقول: أما بعد، فإن الله تعالى كتب على الدنيا الفناء، وعلى الآخرة البقاء، فلا فناء لما كتب عليه البقاء ولا بقاء لما كتب عليه الفناء، فلا يغرنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة، واقهروا طول الأمل بقصر الأجل.

وقال المدائني، عن أبي عبد الله الثقفي، عن عمه قال: سمعت الحسن البصري يقول: وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج سمعته يقول على هذه الأعواد: إن امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن تطول عليها حسرته إلى يوم القيامة.

وقال شريك القاضي، عن عبد الملك بن عمير قال: قال الحجاج يوما: من كان له بلاء أعطيناه على قدره. فقام رجل فقال: أعطني فإني قتلت الحسين فقال: وكيف قتلته؟ قال: دسرته بالرمح دسرا وهبرته بالسيف هبرا وما أشركت معي في قتله أحدا. فقال: اذهب فوالله لا تجتمع أنت وهو في موضع واحد. ولم يعطه شيئا.

وقال الهيثم بن عدي جاء رجل إلى الحجاج فقال: إن أخي خرج مع ابن الأشعث فضرب على اسمي في الديوان ومنعت العطاء، وقد هدمت داري. فقال الحجاج: أما سمعت قول الشاعر:

حنـانيك مـن يجـني عليـك وقـد

 

تعـدي الصحـاح مبـارك الجـرب

ولــرب مــأخوذ بــذنب قريبـه

 

ونجــا المقـارف صـاحب الـذنب

فقال الرجل: أيها الأمير، إني سمعت الله يقول غير هذا وقول الله أصدق من هذا. قال: وما قال؟ قال: قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ قال: يا غلام أعد اسمه في الديوان وابن داره وأعطه عطاءه، ومر مناديا ينادي: صدق الله وكذب الشاعر.

وقال الهيثم بن عدي، عن ابن عياش: كتب عبد الملك إلى الحجاج أن ابعث إليّ برأس أسلم بن عبد البكري؛ لما بلغني عنه فأحضره الحجاج، فقال: أيها الأمير، أنت الشاهد وأمير المؤمنين الغائب، وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وما بلغه عني فباطل، وإني أعول أربعة وعشرين امرأة ما لهن كاسب غيري وهن بالباب. فأمر الحجاج بإحضارهن، فلما حضرن جعلت هذه تقول: أنا خالته. وهذه: أنا عمته. وهذه: أنا أخته. وهذه: أنا ابنته. وهذه: أنا زوجته. وتقدمت إليه جارية فوق الثمان ودون العشرة فقال لها الحجاج: من أنت؟ فقالت: أنا ابنته. ثم قالت: أصلح الله الأمير وجثت على ركبتيها وقالت:

أحجــاج لـم تشـهد مقـام بناتـه

 

وعماتــه يندبنــه الليـل أجمعـا

أحجــاج كـم تقتـل بـه إن قتلتـه

 

ثمانــا وعشـرا واثنتيـن وأربعـا

أحجــاج مـن هـذا يقـوم مقامـه

 

علينـا فمهـلا إن تزدنـا تضعضعـا

أحجــاج إمــا أن تجــود نعمـة

 

علينــا وإمــا أن تقتلنــا معــا

قال: فبكى الحجاج، وقال: والله لا أعنت عليكن ولا زدتكن تضعضعا، ثم كتب إلى عبد الملك بما قال الرجل وبما قالت ابنته هذه فكتب عبد الملك إلى الحجاج يأمره بإطلاقه وحسن صلته، وبالإحسان إلى هذه الجارية وتفقدها في كل وقت. وقيل: إن الحجاج خطب يوما فقال: أيها الناس، الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله فقام إليه رجل فقال له: ويحك يا حجاج ما أصفق وجهك وأقل حياءك تفعل ما تفعل وتقول مثل هذا الكلام؟ خبت وضل سعيك. فقال للحرس: خذوه. فلما فرغ من خطبته قال له: ما الذي جرأك علي؟ فقال: ويحك يا حجاج أنت تجترئ على الله ولا أجترئ أنا عليك! ومن أنت حتى لا أجترئ عليك وأنت تجترئ على الله رب العالمين؟ فقال: خلوا سبيله. فأطلق.

وقال المدائني: أتي الحجاج بأسيرين من أصحاب ابن الأشعث، فأمر بقتلهما فقال أحدهما: إن لي عندك يدا. قال: وما هي؟ قال: ذكر ابن الأشعث يوما أمك، فرددت عليه. فقال: ومن يشهد لك؟ قال: صاحبي هذا. فسأله، فقال: نعم. فقال: ما منعك أن تفعل كما فعل؟ قال: بغضك قال: أطلقوا هذا لصدقه، وهذا لفعله، فأطلقوهما.

وحكى الواقدي أن الحجاج نادى في البلد؛ أن من خرج بعد العشاء الآخرة من بيته قتل، فأتي ليلة برجل، فقال: ما أخرجك من بيتك هذه الساعة من بعد ما سمعت المنادي؟ فقال: أما والله إني لا أكذب الأمير، إن أمي مريضة هالكة، وأنا عندها منذ ثلاثة أيام، فلما كان الساعة أفاقت، وقالت: يا بني إني أعزم عليك بحقي عليك إلا مضيت إلى أهلك وأولادك، فإنهم مغمومون بتخلفك عنهم. فخرجت من عندها فأخذني العسس وأتوا بي إليك. فقال الحجاج: ننهاكم وتعصوننا. ثم أمر فضربت عنقه. قال: ثم أتي بآخر، فقال له الحجاج: ما أخرجك هذه الساعة؟ فقال: والله ما أكذبك، إنه كان عندي لرجل دراهم فأقعدني على بابه ولزمني، وقال: لا أفارقك إلا بحقي. فلما كان هذه الساعة دخل إلى منزله وأغلق بابه وتركني على بابه، فجاءني طائفك فأخذني إليك. فقال الحجاج: اضربوا عنقه. قال: ثم أتي بآخر، فقال له: ما أخرجك هذه الساعة؟ فقال: كنت أشرب مع قوم، فلما سكرت خرجت من عندهم وأنا لا أدري، فأخذوني إليك. فقال الحجاج لرجل كان عنده: ما أراه إلا صادقا. ثم قال: خلوا سبيله. فخلوا سبيل

وذكر محمد بن زياد بن الأعرابي فيما بلغه أنه كان رجل من بني حنيفة يقال له: جحدر بن مالك. وكان فاتكا بأرض اليمامة فأرسل الحجاج إلى نائبها يؤنبه ويلومه على عدم أخذه فما زال نائبها في طلبه حتى أسره وبعث به إلى الحجاج، فقال له الحجاج: ما حملك على ما كنت تصنعه؟ فقال: جراءة الجنان، وجفاء السلطان، وكلب الزمان، ولو اختبرني الأمير لوجدني من صالح الأعوان وبهم الفرسان ولوجدني من أصلح رعيته وذلك أني ما لقيت فارسا قط إلا كنت عليه في نفسي مقتدرا فقال له الحجاج: إنا قاذفوك في حائر فيه أسد عاقر فإن قتلك كفانا مؤنتك، وإن قتلته خلينا سبيلك. ثم أودعه السجن مقيدا مغلولة يده اليمنى إلى عنقه وكتب الحجاج إلى نائبه بكسكر أن يبعث إليه بأسد عظيم ضار، وقد قال جحدر هذا في محبسه هذا أشعارا يتحزن فيها على امرأته سليمى أم عمرو، يقول في بعضها:

أليس الليــل يجــمع أم عمــرو

 

وإيانـــا فــذاك بنــا تــداني

بــلى وتـرى الهـلال كمـا نـراه

 

ويعلوهـــا النهــار إذا علانــي

إذا جاوزتمـــا نخــلات حجــر

 

وأوديـــة اليمامة فانعيــاني

وقــولا جحــدر أمســى رهينـا

 

يحــاذر وقــع مصقـول يمـاني

فما قدم الأسد على الحجاج أمر به فجوع ثلاثة أيام، ثم أبرز إلى حائر - وهو البستان - وأمر بجحدر فأخرج في قيوده ويده اليمنى مغلولة بحالها، وأعطي سيفا في يده اليسرى، وخلى بينه وبين الأسد، وجلس الحجاج وأصحابه في منظرة، وأقبل جحدر نحو الأسد، وهو يقول:

ليــث وليـث فـي مجـال ضنـك

 

كلاهمـــا ذو أنـــف ومحــك

وشـــدة فــي نفســه وفتــك

 

إن يكشــف اللــه قنــاع الشـك

 

فهو أحق منزل بترك

فما نظر إليه الأسد زأر زأرة شديدة وتمطى وأقبل نحوه، فلما صار منه على قدر رمح وثب الأسد على جحدر وثبة شديدة، فتلقاه جحدر بالسيف، فضربه ضربة حتى خالط ذباب السيف لهواته، فخر الأسد كأنه خيمة قد صرعتها الريح، من شدة الضربة وسقط حجدر من شدة وثبة الأسد؛ وشدة موضع القيود عليه، فكبر الحجاج وكبر أصحابه وأنشأ جحدر يقول:

يـا جـمل إنـك لـو رأيت كريهتي

 

فـي يـوم هـول مسـدف وعجـاج

وتقــدمي لليــث أرسـف موثقـا

 

كيمــا أثــاوره عــلى الأحـراج

شــثن براثنــه كــأن نيوبــه

 

زرق المعــاول أو شــباه زجـاج

يســمو بنـاظرتين تحسـب فيهمـا

 

لهبــا أحدهمــا شــعاع سـراج

وكأنمــا خــيطت عليـه عبـاءة

 

برقــاء أو خــرق مـن الديبـاج

لعلمــت أنــي ذو حفـاظ مـاجد

 

مــن نســل أقـوام ذوي أبـراج

ثم التفت إلى الحجاج، فقال:

علــم النســاء بــأنني لا أنثنـي

 

إذ لا يثقــــن بغـــيرة الأزواج

وعلمــت أنـي إن كـرهت نزالـه

 

أنــي مـن الحجـاج لسـت بنـاج

فعند ذلك خيره الحجاج إن شاء أقام عنده، وإن شاء انطلق إلى بلاده، فاختار المقام عند الحجاج، فأحسن جائزته وأعطاه أموالا.

وقد كان الحجاج مع فصاحته وبلاغته يلحن في حروف من القرآن أنكرها يحيى بن يعمر؛ منها أنه كان يبدل "إن" المكسورة ب"أن" المفتوحة، وعكسه وكان يقرأ: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ إلى قوله: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ فيقرؤها برفع "أحبَّ".

وأنكر يوما أن يكون الحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكونه ابن بنته، فقال له يحيى بن يعمر: كذبت فقال الحجاج: لتأتيني على ما قلت ببينة من كتاب الله أو لأضربن عنقك. فقال: قال الله: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إلى قوله: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى فعيسى من ذرية إبراهيم وهو إنما ينسب إلى أمه مريم والحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحجاج: صدقت. ونفاه إلى خراسان .

وقال الأصمعي وغيره: كتب عبد الملك إلى الحجاج يسأله عن أمس واليوم وغد، فقال للرسول: أكان خويلد بن يزيد بن معاوية عنده؟ قال: نعم. فكتب الحجاج إلى عبد الملك: أما أمس فأجل، وأما اليوم فعمل، وأما غدا فأمل.

وقال ابن دريد، عن أبي حاتم السجستاني، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: لما قتل الحجاج ابن الأشعث، وصفت له العراق وسع على الناس في العطاء، فكتب إليه عبد الملك: أما بعد، فقد بلغ أمير المؤمنين أنك تنفق في اليوم ما لا ينفقه أمير المؤمنين في الأسبوع وتنفق في الأسبوع ما لا ينفقه أمير المؤمنين في الشهر ثم قال منشدا:

عليـك بتقـوى اللـه فـي الأمر كله

 

وكـن لوعيـد اللـه تخشـى وتضرع

ووفــر خـراج المسـلمين وفيئـهم

 

وكـن لهـم حصنـا تجـير وتمنـع

فكتب إليه الحجاج:

لعمـري لقـد جـاء الرسـول بكتبكم

 

قـراطيس تمـلى ثـم تطـوى فتطبع

كتــاب أتـاني فيـه ليـن وغلظـة

 

وذكـرت والذكـرى لـذي اللب تنفع

وكــانت أمــور تعـتريني كثـيرة

 

فــأرضخ أو أعتـل حينـا فـأمنع

إذا كـنت سـوطا مـن عذاب عليهم

 

ولـم يـك عنـدي بالمنـافع مطمـع

أيـرضى بـذاك النـاس أو يسخطونه

 

أم أحــمد فيهــم أم ألام فــأقذع

وكـانت بـلاد جئتهـا حـين جئتهـا

 

بهــا كـل نـيران العـداوة تلمـع

فقاسـيت منهـا مـا علمت ولم أزل

 

أصـارع حـتى كدت بالموت أصرع

وكـم أرجـفوا مـن رجفة قد سمعتها

 

ولـو كـان غـيري طـار مما يروع

وكــنت إذا همـوا بـإحدى قنـاتهم

 

حســرت لهـم رأسـي ولا أتقنـع

فلـو لـم يـذد عنـي صنـاديد منهم

 

تقســم أعضـائي ذئـاب وأضبـع

قال: فكتب إليه عبد الملك أن اعمل برأيك. وقال التوزي: عن محمد بن المستورد الجمحي قال: أتي الحجاج بسارق، فقال له: لقد كنت غنيا أن يأتيك الحكم، فيبطل عليك عضوا من أعضائك، فقال الرجل: إذا قل ذات اليد سخت النفس بالمتالف. قال: صدقت، والله لو كان حسن اعتذار يبطل حدا لكنت له موضعا يا غلام سيف صارم ورجل قاطع. فقطع يده.

وقال أبو بكر بن مجاهد، عن محمد بن الجهم، عن الفراء قال: تغدى الحجاج يوما مع الوليد بن عبد الملك، فلما انقضى غداؤهما دعاه الوليد إلى شرب النبيذ فقال: يا أمير المؤمنين الحلال ما أحللت، ولكني أنهى عنه أهل عملي، وأكره أن أخالف قول العبد الصالح: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ

وقال عمر بن شبة، عن أشياخه قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج يعتب عليه في إسرافه في صرف الأموال وسفك الدماء، ويقول له: إنما المال مال الله ونحن خزانه، وسيان منع حق وإعطاء باطل وكتب في أسفل الكتاب:

إذا أنـت لـم تـترك أمـورا كرهتها

 

وتطلـب رضـائي في الذي أنا طالبه

وتخشـى الـذي يخشـاه مثلك هاربا

 

إلـى اللـه منـه ضيـع الـدر جالبه

فــإن تــر منـي غفلـة قرشـية

 

فيـا ربمـا قـد غـص بالماء شاربه

وإن تــر منــي وثبــة أمويـة

 

فهــذا وهــذا كلـه أنـا صاحبـه

فـلا تعـد مـا يـأتيك مني فإن تعد

 

تقـم فـاعلمن يومـا عليـك نوادبـه

فلما قرأه الحجاج كتب: أما بعد فقد جاءني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه سرفي في الأموال والدماء، فوالله ما بالغت في عقوبة أهل المعصية ولا قضيت حق أهل الطاعة فإن كان ذلك سرفا فليحد لي أمير المؤمنين حدا أنتهي إليه ولا أتجاوزه. وكتب في أسفل الكتاب:

إذا أنـا لـم أطلـب رضـاك وأتقي

 

أذاك فيــومي لا تـوارت كواكبـه

إذا قـارف الحجـاج فيـك خطيئـة

 

فقـامت عليـه فـي الصبـاح نوادبه

أسـالم مـن سـالمت مـن ذي هوادة

 

ومـن لـم تسـالمه فـإني محاربـه

إذا أنــا لـم أدن الشـفيق لنصحـه

 

وأقـص الـذي تسـرى إلـيّ عقاربه

فمـن يتقـي يـومي ويرجو إذًا غدي

 

عـلى مـا أرى والدهـر جم عجائبه

وعن الشافعي أنه قال: قال الوليد بن عبد الملك للغاز بن ربيعة أن يسأل الحجاج فيما بينه وبينه؛ هل يجد في نفسه مما أصاب من الدماء شيئا؟ فسأله كما أمره، فقال: والله ما أحب أن لي لبنان أو سنيرا ذهبا أنفقه في سبيل الله مكان ما أبلاني الله من الطاعة.

فصل فيما روي عنه من الكلمات الناقصة والجراءة البالغة

قال أبو داود: ثنا محمد بن العلاء، ثنا أبو بكر، عن عاصم قال: سمعت الحجاج وهو على المنبر يقول: اتقوا الله ما استطعتم - ليس فيها مثنوية - واسمعوا وأطيعوا - ليس فيها مثنوية - لأمير المؤمنين عبد الملك، والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلت لي دماؤهم وأموالهم، والله لو أخذت ربيعة بمضر لكان ذلك لي من الله حلالا، وما عذيري من عبد هذيل يزعم أن قرآنه من عند الله، والله ما هي إلا رجز من رجز الأعراب ما أنزلها الله على بنيه صلى الله عليه وسلم، وعذيري من هذه الحمراء، يزعم أحدهم يرمي بالحجر فيقول: إلى أن يقع الحجر حدث أمر. فوالله لأدعنهم كالأمس الدابر. قال: فذكرته للأعمش، فقال: وأنا والله سمعته منه.

وروراه أبو بكر بن أبي خيثمة، عن محمد بن يزيد، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود والأعمش، أنهما سمعا الحجاج - قبحه الله - يقول ذلك، وفيه: والله لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب، فخرجتم من هذا الباب، لحلت لي دماؤكم، ولا أجد أحدا يقرأ على قراءة ابن أم عبد إلا ضربت عنقه، ولأحكنها من المصحف ولو بضلع خنزير.

وروراه غير واحد عن أبي بكر بن عياش بنحوه وفي بعض الروايات: والله لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه. وهذا من جراءة الحجاج - قبحه الله، وإقدامه على الكلام السيئ والدماء الحرام. وإنما نقم على قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - لكونه خالف القراءة على المصحف الإمام الذي جمع الناس عليه عثمان، والظاهر أن ابن مسعود رجع إلى قول عثمان وموافقيه، والله أعلم.

وقال علي بن عبد الله بن مبشر، عن عباس الدوري، عن مسلم بن إبراهيم، ثنا الصلت بن دينار، سمعت الحجاج على منبر واسط يقول: عبد الله بن مسعود رأس المنافقين، لو أدركته لأسقيت الأرض من دمه قال: وسمعته على منبر واسط وتلا هذه الآية وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي قال: والله إن كان سليمان لحسودا. وهذه جراءة عظيمة تفضي به إلى الكفر قبحه الله وأخزاه وأبعده وأقصاه.

ومن الطامات أيضا ما رواه أبو داود، ثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، ثنا جرير (ح). وحدثنا زهير بن حرب، ثنا جرير عن المغيرة، عن بزيع بن خالد الضبي، قال: سمعت الحجاج يخطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه أم خليفته في أهله؟ فقلت في نفسي: لله علي أن لا أصلي خلفك صلاة أبدا، وإن وجدت قوما يجاهدونك لأجاهدنك معهم. زاد إسحاق في حديثه: فقاتل في الجماجم حتى قتل. فإن صح هذا عنه فظاهره كفر إن أراد تفضيل منصب الخلافة على الرسالة، أو أراد أن الخليفة من بني أمية أفضل من الرسول.

وقال الأصمعي: ثنا أبو عاصم النبيل، ثنا أبو حفص الثقفي، قال: خطب الحجاج يوما فأقبل عن يمينه فقال: ألا إن الحجاج كافر، ثم أطرق فقال: إن الحجاج كافر، ثم أطرق فأقبل عن يساره فقال: ألا إن الحجاج كافر. فعل ذلك مرارا ثم قال: كافر يا أهل العراق باللات والعزى.

وقال حنبل بن إسحاق: ثنا هارون بن معروف، ثنا ضمرة، ثنا ابن شوذب، عن مالك بن دينار قال: بينما الحجاج يخطبنا يوما إذ قال: الحجاج كافر. قلنا: ما له؟ أي شيء يريد؟ قال: الحجاج كافر بيوم الأربعاء والبغلة الشهباء. وقال الأصمعي: قال عبد الملك يوما للحجاج: إنه ما من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه فصف لي عيب نفسك. فقال: اعفني يا أمير المؤمنين فأبى، فقال: أنا لجوج حقود حسود. فقال عبد الملك: ما في الشيطان شر مما ذكرت. وفي رواية أنه قال: إذًا بينك وبين إبليس نسب.

وبالجملة فقد كان الحجاج نقمة على أهل العراق بما سلف لهم من الذنوب والخروج على الأئمة وخذلانهم لهم وعصيانهم ومخالفتهم والافتيات عليهم.

قال يعقوب بن سفيان: حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن شريح بن عبيد عن من حدثه، قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبره أن أهل العراق حصبوا أميرهم فخرج غضبان، فصلى لنا صلاة فسها فيها حتى جعل الناس يقولون: سبحان الله سبحان الله. فلما سلم أقبل على الناس فقال: من هاهنا من أهل الشام؟ فقام رجل، ثم قام آخر، ثم قمت أنا ثالثا أو رابعا، فقال: يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ، اللهم إنهم قد لبسوا عليهم فالبس عليهم، وعجل عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم. وقد رويناه في كتاب "مسند عمر بن الخطاب" من طريق أبي عذبة الحمصي، عن عمر مثله. وقال عبد الرزاق: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، عن الحسن قال: قال علي بن أبي طالب اللهم كما ائتمنتهم فخانوني ونصحت لهم فغشوني فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال الميال يأكل خضرتها، ويلبس فروتها ويحكم فيها بحكم الجاهلية. قال: يقول الحسن: وما خلق الحجاج يومئذ. ورواه معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أيوب، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن علي أنه قال: الشاب الذيال أمير المصرين يلبس فروتها ويأكل خضرتها ويقتل أشراف أهلها يشتد منه الفرق ويكثر منه الأرق، ويسلطه الله على شيعته.

وقال الحافظ البيهقي في "دلائل النبوة": أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، ثنا سعيد بن مسعود، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ العوام بن حوشب، حدثني حبيب بن أبي ثابت، قال: قال علي لرجل: لا مت حتى تدرك فتى ثقيف. قيل له: يا أمير المؤمنين، وما فتى ثقيف؟ قال: ليقالن له يوم القيامة: اكفنا زاوية من زوايا جهنم. رجل يملك عشرين، أو بضعا وعشرين سنة، لا يدع لله معصية إلا ارتكبها، حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها، يقتل بمن أطاعه من عصاه.

وقال الطبراني، حدثنا القاسم بن زكريا، ثنا إسماعيل بن موسى السدي، ثنا علي بن مسهر، عن الأجلح، عن الشعبي، عن أم حكيم بنت عمر بن سنان الجدلية قالت: استأذن الأشعث بن قيس على علي فرده قنبر فأدمى أنفه، فخرج علي فقال: ما لك وله يا أشعث أما والله لو بعبد ثقيف تمرست لاقشعرت شعيرات استك. قيل له: يا أمير المؤمنين ومن عبد ثقيف؟ قال: غلام يليهم لا يبقي أهل بيت من العرب إلا ألبسهم ذلا، قيل: كم يملك؟ قال: عشرين إن بلغ.

وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم أنبأ الحسين بن الحسن بن أيوب، ثنا أبو حاتم الرازي، ثنا عبد الله بن يوسف التنيسي، ثنا هشام بن يحيى الغساني قال: قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم. وقال أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود أنه قال: ما بقيت لله عز وجل حرمة إلا وقد ارتكبها الحجاج.

وقد تقدم الحديث: "إن في ثقيف كذابا ومبيرا" وقد ذكرنا شأن المختار ابن أبي عبيد، وهو الكذاب المذكور في هذا الحديث، وقد كان يظهر الرفض أولا ويبطن الكفر المحض، وأما المبير فهو الحجاج بن يوسف هذا، وقد كان ناصبيا يبغض عليا وشيعته في هوى آل مروان بني أمية وكان جبارا عنيدا مقداما على سفك الدماء بأدنى شبهة. وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر كما قدمنا. فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها، وإلا فهو باق في عهدتها، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه؛ فإن الشيعة كانوا يبغضونه جدا لوجوه وربما حرفوا عليه بعض الكلم، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات.

وقد روينا عنه، أنه كان يتدين بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج وإن كان متسرعا في سفك الدماء. فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وسائرها وخفيات الصدور وضمائرها.

وقال المعافى بن زكريا الجريري - المعروف بابن طرارا - البغدادي: ثنا محمد بن القاسم الأنباري، ثنا أبي، ثنا أحمد بن عبيد، ثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، ثنا عوانة بن الحكم الكلبي، قال: دخل أنس بن مالك على الحجاج بن يوسف، فلما وقف بين يديه سلم عليه فقال له: إيه إيه يا أنيس، يوم لك مع علي، ويوم لك مع ابن الزبير، ويوم لك مع ابن الأشعث، والله لأستأصلنك كما تستأصل الشأفة، ولأدمغنك كما تدمغ الصمغة. فقال أنس: إياي يعني الأمير أصلحه الله؟ قال: إياك، سك الله سمعك. قال أنس: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لولا الصبية الصغار ما باليت أي قتلة قتلت، ولا أي ميتة مت. ثم خرج من عند الحجاج فكتب إلى عبد الملك بن مروان يخبره بما قال له الحجاج، فلما قرأ عبد الملك كتاب أنس استشاط غضبا، وصفق عجبا، وتعاظم ذلك من الحجاج، وكان كتاب أنس إلى عبد الملك بن مروان

بسم الله الرحمن الرحيم إلى عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين من أنس بن مالك أما بعد؛ فإن الحجاج قال لي هجرا، وأسمعني نكرا، ولم أكن لذلك أهلا فخذ لي على يديه، فإني أمت بخدمتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتي إياه والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. فبعث عبد الملك إلى إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر - وكان مصادقا للحجاج - فقال له: دونك كتابي هذين فخذهما، واركب البريد إلى العراق، وابدأ بأنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فادفع كتابي إليه وأبلغه مني السلام وقل له: يا أبا حمزة، قد كتبت إلى الحجاج الملعون كتابا، إذا قرأه كان أطوع لك من أمتك. وكان كتاب عبد الملك إلى أنس بن مالك

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الملك بن مروان إلى أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛ فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت من شكايتك الحجاج، وما سلطته عليك ولا أمرته بالإساءة إليك، فإن عاد لمثلها اكتب إليّ بذلك أنزل به عقوبتي، وتحسن لك معونتي والسلام.

فلما قرأ أنس كتاب أمير المؤمنين وأخبر برسالته قال: جزى الله أمير المؤمنين عني خيرا وعافاه وكفاه وكافأه بالجنة فهذا كان ظني به والرجاء منه. فقال إسماعيل بن عبيد الله لأنس: يا أبا حمزة إن الحجاج عامل أمير المؤمنين وليس بك عنه غنى ولا بأهل بيتك، ولو جعل لك في جامعة ثم دفع إليك لقدر أن يضر وينفع، فقاربه وداره تعش معه بخير وسلام. فقال أنس: أفعل إن شاء الله. ثم خرج إسماعيل من عنده فدخل على الحجاج، فلما رآه الحجاج قال: مرحبا برجل أحبه وكنت أحب لقاءه. فقال إسماعيل: أنا والله كنت أحب لقاءك في غير ما أتيتك به فتغير لون الحجاج، وقال: ما أتيتني به؟ قال: فارقت أمير المؤمنين وهو أشد الناس عليك غضبا، ومنك بعدا. قال: فاستوى الحجاج جالسا مرعوبا فرمى إليه إسماعيل بالطومار، فجعل الحجاج ينظر فيه مرة ويعرق، وينظر إلى إسماعيل أخرى، فلما نقضه قال: قم بنا إلى أبي حمزة نعتذر إليه ونترضاه. فقال له إسماعيل: لا تعجل. فقال: كيف لا أعجل وقد أتيتني بآبدة.

وكان في الطومار: إلى الحجاج بن يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجاج بن يوسف، أما بعد؛ فإنك عبد طمت بك الأمور فسموت فيها، وعدوت طورك، وجاوزت قدرك، وركبت داهية إدًّا، وأردت أن تبورني فإن سوغتكها مضيت قدما، وإن لم أسوغها رجعت القهقرى، فلعنك الله عبدا أخفش العينين، منقوص الجاعرتين، أنسيت مكاسب آبائك بالطائف، وحفرهم الآبار، ونقلهم الصخور على ظهورهم في المناهل؟ يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب، والله لأغمرنك غمز الليث الثعلب، والصقر الأرنب، وثبت على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فلم تقبل له إحسانه ولم تجاوز له إساءته، جرأة منك على الرب عز وجل، واستخفافا منك بالعهد والله لو أن اليهود والنصارى رأت رجلا خدم عزير بن عزرا وعيسى ابن مريم لعظمته وشرفته وأكرمته، فكيف وهذا أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، يطلعه على سره ويشاوره في أمره ثم هو مع هذا بقية من بقايا أصحابه، فإذا قرأت كتابي هذا فكن أطوع له من خفه ونعله، وإلا أتاك مني سهم مثكل بحتف قاض، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون.

وقد تكلم ابن طرارا على ما وقع في هذا الكتاب من الغريب، وكذلك ابن قتيبة وغيرهما من أئمة اللغة. والله أعلم.

وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن الزبير - يعني ابن عدي - قال: شكونا إلى أنس بن مالك ما نلقى من الحجاج، فقال: اصبروا؛ فإنه لا يأتي عليكم عام أو يوم إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم عز وجل، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم. وهذا رواه البخاري، عن محمد بن يوسف، عن سفيان - وهو الثوري - عن الزبير بن عدي، عن أنس، قال: لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه الحديث. قلت: ومن الناس من يروي هذا الحديث بالمعنى فيقول: كل عام ترذلون. وهذا اللفظ لا أصل له وإنما هو مأخوذ من معنى هذا الحديث والله أعلم.

وقد قال سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: يأتي على الناس زمان يصلون فيه على الحجاج وقال أبو نعيم، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي السفر قال: قال الشعبي: والله لئن بقيتم لتمنون الحجاج وقال الأصمعي: قيل للحسن: إنك تقول: الآخر شر من الأول. وهذا عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج. فقال الحسن: لا بد للناس من تنفيسات.

وقال ميمون بن مهران بعث الحجاج إلى الحسن وقد همّ به، فلما قام بين يديه، قال: يا حجاج كم بينك وبين آدم من أب؟ قال: كثير قال: فأين هم؟ قال: ماتوا، قال: فنكس الحجاج رأسه وخرج الحسن. وقال أيوب السختياني إن الحجاج أراد قتل الحسن مرارا فعصمه الله منه. وقد ذكر له معه مناظرات على أن الحسن لم يكن ممن يرى الخروج عليه، وكان ينهى أصحاب ابن الأشعث عن ذلك، وإنما خرج معهم مكرها، كما قدمنا، وكان الحسن يقول: إنما هو نقمة فلا تقابل نقمة الله بالسيف، وعليكم بالصبر والسكينة والتضرع، وقال ابن دريد، عن الحسن بن الحضر، عن ابن عائشة قال: أتي الوليد بن عبد الملك رجل من الخوارج فقيل له: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى خيرا، قال: فعثمان؟ فأثنى خيرا، حتى قيل له: فما تقول في عبد الملك بن مروان؟ فقال: الآن جاءت المسألة، ما أقول في رجل الحجاج خطيئة من خطاياه؟

وقال الأصمعي، عن علي بن مسلم الباهلي، قال: أتي الحجاج بامرأة من الخوارج فجعل يكلمها وهي لا تنظر إليه ولا ترد عليه كلاما، فقال لها بعض الشرط: يكلمك الأمير وأنت معرضة عنه؟ فقالت: إني لأستحي من الله أن أنظر إلى من لا ينظر الله إليه. فأمر بها فقتلت. وقد ذكرنا في سنة أربع وتسعين كيفية مقتل الحجاج لسعيد بن جبير، وما دار بينهما من الكلام والمراجعة.

وقد قال أبو بكر بن أبي خيثمة:ثنا أبو ظفر، ثنا جعفر بن سليمان، عن بسطام بن مسلم، عن قتادة قال: قيل لسعيد بن جبير: خرجت على الحجاج؟ قال: إني والله ما خرجت عليه حتى كفر، ويقال: إنه لم يقتل بعده إلا رجلا واحدا اسمه ماهان، وكان قد قتل قبله خلقا كثيرا أكثرهم ممن خرج مع ابن الأشعث.

وقال أبو عيسى الترمذي: ثنا أبو داود سليمان بن سلم البلخي، ثنا النضر بن شميل، عن هشام بن حسان، قال: أحصوا ما قتل الحجاج صبرا فبلغ مائة ألف وعشرين ألفا. قال الأصمعي: ثنا أبو عاصم، عن عباد بن كثير، عن قحذم، قال: أطلق سليمان بن عبد الملك في غداة واحدة أحدا وثمانين ألف أسير، وعرضت السجون بعد الحجاج فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفا، لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب وكان في من حبس أعرابي وجد يبول في أصل ربض مدينة واسط وكان في من أطلق فأنشأ يقول:

إذا نحن جاوزنا مدينة واسط

 

خرينا وصلينا بغير حساب

وقد كان الحجاج مع هذا العنف الشديد لا يستخرج من خراج العراق كبير أمر. قال ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي: ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان، قال: قال عمر بن عبد العزيز لو تخابثت الأمم وجئنا بالحجاج لغلبناهم، وما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة، لقد ولي العراق وهو أوفر ما يكون في العمارة فأخس به حتى صيره إلى أربعين ألف ألف، ولقد أدي إلي في عامي هذا ثمانون ألف ألف، وإن بقيت إلى قابل رجوت أن يؤدى إليّ ما أدي إلى عمر بن الخطاب مائة ألف ألف وعشرة آلاف ألف.

وقال أبو بكر بن المقرئ: ثنا أبو عروبة، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا أبي سمعت جدي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة بلغني أنك تستن بسنن الحجاج فلا تستن بسننه، فإنه كان يصلي الصلاة لغير وقتها، ويأخذ الزكاة من غير حقها، وكان لما سوى ذلك أضيع.

وقال يعقوب بن سفيان: ثنا سعيد بن أسد، ثنا ضمرة، عن الريان بن مسلم قال: بعث عمر بن عبد العزيز بآل أبي عقيل - أهل بيت الحجاج - إلى صاحب اليمن وكتب إليه: أما بعد، فإني قد بعثت بآل أبي عقيل وهم شر بيت في العرب، ففرقهم في العمل على قدر هوانهم على الله وعلينا، وعليك السلام. وإنما نفاهم.

وقال الأوزاعي: سمعت القاسم بن مخيمرة يقول: كان الحجاج ينقض عرى الإسلام. وذكر حكاية. وقال أبو بكر بن عياش، عن عاصم: لم يبق لله حرمة إلا ارتكبها الحجاج بن يوسف. وقال يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش اختلفوا في الحجاج، فسألوا مجاهدا، فقال: تسألوني عن الشيخ الكافر؟

وروى ابن عساكر، عن الشعبي أنه قال: الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت، كافر بالله العظيم. كذا قال والله أعلم. وقال الثوري، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: عجبا لإخواننا من أهل العراق؛ يسمون الحجاج مؤمنا! وقال الثوري، عن ابن عون: سمعت أبا وائل يسأل عن الحجاج: أتشهد أنه من أهل النار؟ قال: أتأمروني أن أشهد على الله العظيم. وقال الثوري، عن منصور، سألت إبراهيم عن لعن الحجاج أو بعض الجبابرة، فقال: أليس الله يقول: أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ؟ وبه؛ قال إبراهيم: وكفى بالرجل عمى أن يعمى عن أمر الحجاج. وقال سلام بن أبي مطيع: لأنا للحجاج أرجى مني لعمرو بن عبيد؛ لأن الحجاج قتل الناس على الدنيا، وعمرو بن عبيد أحدث للناس بدعة، فقتل الناس بعضهم بعضا. وقال الزبرقان: سببت الحجاج يوما عند أبي وائل، فقال: لا تسبه لعله قال يوما: اللهم ارحمني. فيرحمه، إياك ومجالسة من يقول: أرأيت أرأيت. وقال عوف: ذكر الحجاج عند محمد بن سيرين، فقال: مسكين أبو محمد؛ إن يعذبه الله عز وجل فبذنبه، وإن يغفر له فهنيئا له، وإن يلق الله بقلب سليم، فقد أصاب الذنوب من هو خير منه فقيل له: ما القلب السليم؟ قال: أن تعلم أن الله حق، وأن الساعة حق قائمة، وأن الله يبعث من في القبور.

وقال أبو قاسم البغوي: ثنا أبو سعيد، ثنا أبو أسامة، قال: قال رجل لسفيان الثوري: اشهد على الحجاج وعلى أبي مسلم أنهما في النار. قال: لا، إذا أقرا بالتوحيد. وقال الرياشي: حدثنا عباس الأزرق، عن السري بن يحيى قال: مر الحجاج في يوم جمعة فسمع استغاثة فقال: ما هذا؟ فقيل له: أهل السجون يقولون: قتلنا الحر. فقال: قولوا لهم: اخسئوا فيها ولا تكلمون. قال: فما عاش بعد ذلك إلا أقل من جمعة. وقال بعضهم: رأيته وهو يأتي الجمعة وقد كاد يهلك من العلة. وقال الأصمعي: لما مرض الحجاج أرجف الناس بموته، فقال في خطبته: إن طائفة من أهل الشقاق والنفاق نزغ الشيطان بينهم، فقالوا: مات الحجاج، ومات الحجاج. فمه، وهل يرجو الحجاج الخير إلا بعد الموت؟ والله ما يسرني أن لا أموت وأن لي الدنيا وما فيها، وما رأيت الله رضي التخليد إلا لأهون خلقه عليه إبليس، قال الله له: إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ فأنظره إلى يوم الدين ولقد دعا الله العبد الصالح فقال: وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فأعطاه الله ذلك إلا البقاء، فما عسى أن يكون أيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، كأني والله بكل حي منكم ميتا، وبكل رطب يابسا، ثم نقل في أثياب أكفانه إلى ثلاثة أذرع طولا في ذراع عرضا، فأكلت الأرض لحمه، ومصت صديده، وانصرف الحبيب من ولده يقسم الحبيب من ماله، إن الذين يعقلون يعقلون ما أقول. ثم نزل.

وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما حسدت الحجاج عدو الله على شيء حسدي إياه على حبه القرآن وإعطائه أهله، وقوله حين حضرته الوفاة: اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن محمد بن المنكدر قال: كان عمر بن عبد العزيز يبغض الحجاج فنفس عليه بكلمة قالها عند الموت: اللهم اغفر لي فإنهم زعموا أنك لا تفعل. قال: وحدثني بعض أهل العلم، قال: قيل للحسن: إن الحجاج قال عند الموت كذا وكذا قال: أقالها؟ قالوا: نعم. قال: عسى. وقال أبو العباس المبرد، عن الرياشي، عن الأصمعي قال: لما حضرت الحجاج الوفاة أنشأ يقول:

يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا

 

بأنني رجل من ساكني النار

أيحلفون على عمياء ويحهم

 

ما علمهم بعظيم العفو غفار

قال: فأخبر بذلك الحسن فقال: تالله إن نجا فبهما. وزاد بعضهم في ذلك:

إن الموالي إذا شابت عبيدهم

 

في رقهم عتقوهم عتق أبرار

وأنت يا خالقي أولى بذا كرما

 

قد شبت في الرق فاعتقني من النار

وقال ابن أبي الدنيا ثنا أحمد بن عبد الله التيمي، قال: لما مات الحجاج لم يعلم بموته حتى أشرفت جارية فبكت، فقالت: ألا إن مطعم الطعام ومفلق الهام، وسيد أهل الشام قد مات، ثم أنشأت تقول:

اليوم يرحمنا من كان يغبطنا

 

واليوم يأمننا من كان يخشانا

وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه أنه أخبر بموت الحجاج مرارا، فلما تحقق وفاته قال: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وروى غير واحد أن الحسن لما بشر بموت الحجاج سجد شكرا لله تعالى، وكان مختفيا فظهر، وقال: اللهم أمته فأذهب عنا سنته. وقال حماد بن أبي سليمان: لما أخبرت إبراهيم النخعي بموت الحجاج بكى من الفرح. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان، قال: قال زياد بن الربيع الحارثي لأهل السجن: يموت الحجاج في مرضه هذا في ليلة كذا وكذا. فلما كانت تلك الليلة لم ينم أهل السجن فرحا، جلسوا ينتظرون حتى سمعوا الواعية، وذلك ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان، وقيل: كان ذلك لخمس بقين من رمضان. وقيل: في شوال من هذه السنة. وكان عمره إذ ذاك خمسا وخمسين سنة؛ لأن مولده كان عام الجماعة سنة أربعين. وقيل: بعدها بسنة وقيل: قبلها بسنة. فالله أعلم.

مات بواسط وعفي قبره وأجري عليه الماء لكيلا ينبش ويحرق. والله أعلم

وقال الأصمعي: ما كان أعجب الحجاج، ما ترك إلا ثلاثمائة درهم. وقال الواقدي: ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد، حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب، ثنا عمي قال: زعموا أن الحجاج مات ولم يترك إلا ثلاثمائة درهم ومصحفا وسيفا وسرجا ورحلا ومائة درع موقوفة. وقال شهاب بن خراش: حدثني عمي يزيد بن حوشب قال: بعث إليّ أبو جعفر المنصور فقال: حدثني بوصية الحجاج بن يوسف. فقلت: اعفني يا أمير المؤمنين. فقال: حدثني بها. فقلت: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف، أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك عليها يحيا، وعليها يموت، وعليها يبعث، وأوصى بتسعمائة درع حديد ستمائة منها لمنافقي أهل العراق يغزون بها، وثلاثمائة للترك. قال: فرفع أبو جعفر رأسه إلى أبي العباس الطوسي - وكان قائما على رأسه - فقال: هذه والله الشيعة لا شيعتكم.

وقال الأصمعي عن أبيه قال: رأيت الحجاج في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: قتلني بكل قتله قتلت بها إنسانا، قال: ثم رأيته بعد الحول فقلت: يا أبا محمد ما صنع الله بك؟ فقال: يا ماص بظر أمه أما سألت عن هذا عام أول؟ وقال القاضي أبو يوسف كنت عند الرشيد فدخل عليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين رأيت الحجاج البارحة في النوم، قال: في أي زي رأيته؟ قال: في زي قبيح. فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: ما أنت وذاك يا ماص بظر أمه؟ فقال هارون: صدقت والله، أنت رأيت الحجاج حقا، ما كان أبو محمد ليدع صرامته حيا وميتا.

وقال حنبل بن إسحاق: ثنا هارون بن معروف، ثنا ضمرة، ثنا ابن شوذب، عن أشعث الحداني. قال: رأيت الحجاج في المنام في حالة سيئة فقلت: يا أبا محمد ما صنع بك ربك؟ قال: ما قتلت أحدا قتلة إلا قتلني بها. فقلت: ثم مه. قال: ثم أمر بي إلى النار. قلت: ثم مه. قال: ثم أرجو ما يرجو أهل لا إله إلا الله. قال: وكان ابن سيرين يقول: إني لأرجوا له. فبلغ ذلك الحسن فقال: أما والله ليخلفن الله رجاءه فيه.

وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: كان الحسن البصري لا يجلس مجلسا إلا ذكر فيه الحجاج فدعا عليه، قال: فرآه في منامه فقال له: أنت الحجاج؟ قال: أنا الحجاج. قال: ما فعل الله بك؟ قال: قتلت بكل قتيل قتلته ثم عزلت مع الموحدين. قال: فأمسك الحسن بعد ذلك عن شتمه. والله أعلم.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المقحمات واصحاب التأويل

  المقحمات والنووي 1 of 64 Edit Privacy Settings Analytics F...